مع رجوع التلاميذ لمدارسهم، نستذكر “عشْراوات وتِسْعاوات” مُشتَّتَةٍ أحرزها أبناء المدارس العمومية (على غير عادةٍ) في نتائج نهاية الدورة الأولى، ما يعطي انطباعا أن التعليم العمومي استرجع عافيته، مُتجاوزا مرحلة الإنعاش مُنطلقا نحو “الرِّيادة”! الرِّيادة؛ كلمة السر!
نموذج مدارس وصل عددها 2600 مدرسة، بمليون و300 ألف تلميذ ابتدائي، 44 ألف أستاذ و450 مفتش، وتجربة على 70 ألف متعثر (غير محظوظ) في الثانوي الإعدادي هذا الموسم، تقول الحكومة (والدولة) أنها (مدارس الرِّيادة) المفتاح السري لإصلاح التعليم العمومي في البلاد.
بميزانية 15 ألف درهم للفصل، سبورة بروجيكتور و”بْريم” سنوي يتيم للمُدرسين الذين يقبلون الانخراط الطوعي في “التجربة”، تعتمد “مدارس الرِّيادة” ما يُطلق عليه “التعليم الصريح”، أي التدريس بالهدف (الأمر) المباشر! المعلومات تُقدم واضحة صريحة للتلميذ الذي لا يجب عليه سوى الحفظ والاسترجاع الحرفي، وإلا !!!
مقاربة التعليم بالكفايات المعمول بها في المدارس العمومية العادية، ورغم فشلها بسبب ضعف الوسائل لا عِلة الطريقة، تعتمد تطوير مهارات المُتعلم لتتجاوز المعرفة المجردة إلى تعزيز القدرات العلمية والتطبيقية، وتنمية وتحفيز التفكير النقدي. منهجية حل المشكلات في مقاربة التدريس بالكفايات تُدرب التلميذ على مواجهة متطلبات الحياة والعمل، عكس المدارس الرائدة التي تُفرخ روبوتات تفعل ما تُؤمر.
في الأسلوب، تتبنى مدارس وزير المصّاصة الرائدة أسلوب التعليم المُباشر والمُوجَّه بأهداف واضحة ومُنظمة، لا تستدعي استخدام المتعلم لعقله ولا لملكاته وقدراته، بل يكتفي بذاكرته! نفس بيداغوجية التدريس بالأهداف المُعتمدة قبل عقود، والتي خسر المغرب آلاف المليارات للخروج منها؛ زوَّقوها بكلمة “رائدة” وتوكلوا على اللاّت، والعُزى، ومناة الثالثة الأخرى!!
في مقاربة الكفايات، يكتسب المُتعلم القدرة على العمل والتصرف، بشكل خاص (كفايات مرتبطة بمادة دراسية معينة) وعام (كفايات استراتيجية كالتواصل، القيادة، وحل المشكلات) من خلال مواقف (وضعيات) تعليمية حقيقية (التعليم التعاوني، المشاريع..). يتعلم التلميذ من خلال التجربة والممارسة العملية.
الأستاذ في مدارسهم البائدة يُشرف و يوجه ويدعم معارف التلميذ في منحى محدد سلفا، ويتأكد باستمرار من ترسيخ مبدأ السمع والطاعة من خلال تغذية راجعة مستمرة بينه وبين المُتعلم.
في مقاربة الكفايات، يلعب المدرس دور المُرشد والمُحفِز للتلميذ حتى يتمكن من مهارات التعليم الذاتي (مزيدا من الاستقلالية عن المدرس، المؤسسات..). يتم تشجيع المتعلمين على الاكتشاف والتفكير النقدي، مع إشراكهم في الأنشطة التعليمية بطرق تفاعلية؛ يتنمى لديهم حس المسؤولية في تعلمهم. عكس تقنية “بضاعتنا رُدت إلينا” في مدارسهم البائدة، وطريقة تعليم سيدنا الخضر لرسول الله موسى: لا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكراا!!
في تقييم النتائج، تعتمد مدارس التعليم المُباشر (الرائدة) منهجية التقييم المستمر ليتأكد المُلقِّن من أن البق لن يزهق، مع تغذية راجعة (ردود الفعل التصحيحية- Corrective feedback) تساعد الأستاذ (الآمر) على التيقن من استيعاب التلميذ (المأمور) لجميع الأهداف المُسطرة (الأوامر).
في التعليم بالكفايات، يكون التقييم شاملا معتمدا مجموعة مؤشرات ومعايير تأخذ بعين الاعتبار مدى تحقيق المتعلمين للكفايات المطلوبة (كفايات علمية، ومهنية وشخصية). يُمنح المُتعلم نقطا وفق مدى تمكنه من تطبيق المهارات والمعارف في مواقف متنوعة.
برغم زعمهم أن مدارس الريادة تُدرس وفق المستوى المناسب، فتشطُر مجموعة القسم إلى متعثرين، متوسطين ومتفوقين، إلا أن اكتظاظ الفصول والتعب المادي والمعنوي للمُدرسين، وعدم كفاية الدعامات الديداكتيكية يدفعون الأستاذ(ة) للتركيز على المُتعثرين، وإهمال المتفوقين أو الذين لا يعانون مشاكل تعلمية.
امتحان السادس ابتدائي في مدارسهم البائدة يوضع، بشكل مُوَحد وطنيا أو إقليميا، بأهداف الرابع ابتدائي، فترى العشراوات والتسعاوات تتشاير، ويُعطى انطباع خاطئ لمجموع الفاعلين التربويين بكون المُقاربة فعالة ناجعة في تجاوز الصعوبات وتحقيق الأهداف.
مع وصول نسبة تلاميذ الابتدائي داخل مدارسهم البائدة 30%، بدأ الصهد في الوصول لباقي الـ 70% من المؤسسات العمومية العادية الذين “طلقو اللعب ونزَّلو الباريير” كي لا يظهروا كسالى أمام أسيادهم الرُّواد. النتيجة: غرس وتأكيد عقلية المدارس الخصوصية في القطاع العمومي: التنافس على النقط ونسب النجاح، بعيدا عن الفعالية الحقيقية.
نُقط أخيرة رغم الإطالة:
☆ رسميا، يعتبر الانخراط في مشروع المدارس “الرائدة” طوعيا بالنسبة للأستاذة، لكن على أرض الواقع يُفرض المشروع فرضا لكون الأساتذة لم يعودوا شركاء في العملية التعليمية التعلمية، بل مجرد “موارد” بشرية تخضع لتدبير الإدارة (منطق الشركات).
☆ المدارس “الرائدة” لا تكتفي بتنزيل مستوى الفروض والامتحانات حتى يتأتى “تحقيق الأهداف”، بل يتم عُنوة تضخيم النقط بفارق كبير بين نقط المراقبة والنقطة النهائية على منظومة مسار. في مقابل النفخ في نقط المُتعثرين، يتم “فَرمَلة” نقط المتفوقين عند مستوى معين لإظهار تجانس كاذب داخل مجموعة القسم.
☆ مدارس التعليم الخصوصي غير معنية بهذا التبرهيش المحصور بفئران التجارب أبناء الكادحين.
☆انخراط المُدرسين في تجربة مدارس الريادة اختياري، وبالتالي فانسحابهم اختياري. خروج الأساتذة جملة أو فرادى من لعب الدراري (هذا) يعني إرجاع التلاميذ من الريادة إلى العادة، أي مزيدا من التخربيق في بارامترات هي أساسا مُروَّنة.
☆ التلاميذ خريجو مدارس “الريادة” يلتقون في الإعدادي مع خريجي مدارس العادة العموميين، ونخبة القطاع الخاص. وسواء طلَّع أساتذة الإعدادي والثانوي العتبة أم خفضوها، يبقى الضحية الوحيد هو التلميذ المُفقَّر المأكول في رزقه وحقوقه، الملعوب في مستقبله!
وللقصة بقية…
ضامين مخلة بالحياء
أثارت صفحات من مقرر دراسي باللغة الفرنسية، اعتمدته مؤسسة خاصة توجد على مستوى مقاطعة “احصين” في سلا، وتضمنت دروسا حول التقبيل، جدلا كبيرا دفعت بعض أولياء أمور التلاميذ إلى وضع شكايات ضد المؤسسة.
وأمر عامل عمالة سلا حسب وسائل إعلام محلية بفتح تحقيق إثر انتشار صور لمقرر يدرس لمستوى الثانية إعدادي اعتمدته مؤسسة خاصة في المدينة، اعتبر مخلا بالحياء
واعتبرت الهيأة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان، في بلاغ لها أن “غياب المراقبة هو السبب في إدراج مثل هذه الصور الخادشة بالحياء في المقرر الدراسي”. وأوضح البلاغ، أن هذا الكتاب المدرسي “يخدش في الحياء والأخلاق العامة”.

من جهة أخرى، نقل إطار تربوي في أكادير برمجة الوزارة لمجموعة من التكاوين بخصوص الأنشطة الموازية بالمؤسسات الرائدة (الاعدادي) في4 مجالات: التفتح العلمي، الثقافة المقاولاتية، المسرح، السمعي البصري.
وتفاجأ الإطار التربوي أن المجال بأكمله اختزل في ورشة السينما بشراكة مع مؤسسة علي زوى لمؤسسها نبيل عيوش. وأثناء التكوين وزعوا عليهم مجموعة من الدلائل من بينها دليل يضم مجموعة من الأفلام التي ستعرض بالمؤسسات التعليمية اللاتربوية والغير الهادفة وبالعكس تضم مجموعة من المشاهد الخليعة والمائعة وتخدش الحياء.
و كشفت مصادر تربوية لمواقع إعلامية تفاصيل جديدة عن “فرض” وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على أساتذة مدارس الريادة عرض ما وصف بـ”مشاهد خليعة” على التلاميذ القاصرين،
وأكدت عدد من الأطر التربوية أنهم “حضروا دورة تكوينية قبل العطلة البينية الأخيرة، وتلقوا توجيهات صارمة ووثائق تفرض عليهم عرض مشاهد أفلام على التلاميذ القاصرين في المؤسسات التعليمية الإعدادية لا تتناسب مع سنهم”.
كما شهدت الدورة -حسب المصادر ذاتها- نقاشا حادا بين الأساتذة والمسؤولين بالأكاديمية، حيث عبر الأساتذة عن رفضهم لعرض هذه المشاهد الخليعة على التلاميذ القاصرين.
وتحدد مذكرة وزارية بخصوص مكون الأنشطة الموازية بإعداديات الريادة؛ التدابير والإجراءات العملية المتعين اتخاذها لتنزيل مكون “الأنشطة الموازية” ضمن برنامج “إعداديات الريادة”، وتوطيد أدوار ومسؤوليات جميع المتدخلين والفاعلين في البرنامج، والجدولة الزمنية العامة للتنزيل، وكذا الأدوات والآليات اللازمة للقيام بذلك”.
فاعلون تربويون يدخلون على الخط
وجه فاعلون تربويون انتقادات واسعة لمضامين مخلة بالحياء واردة في مقررات دراسية مخصصة لمدارس الريادة، ودقوا ناقوس الخطر لما تعرضه هذه المضامين من تهديد لأبناء المغاربة القاصرين لقيمهم الدينية والوطنية.
ودعا أستاذ الفلسفة وعلوم التربية بجامعة القاضي عياض،عبد الجليل أميم المسؤولين الحكوميين والرسميين إلى توضيح خاص يتعلق بالمضامين المخلة بالحياء الواردة في مقرر دراسي مخصص لمدارس الريادة.

وقال أميم في تدوينة عبر حسابه على “فيسبوك”، تفاعلا مع ما ورد في مقرر “الفنون السمعية والبصرية” بخصوص “القُبَل”، أن هذا المضمون المخل يُعرض على أبناء المغاربة القاصرين في مؤسسات تابعة لدولة مسلمة وتعاقب على ما يخل بالآداب في الشارع.
وانتقد الدكتور خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي شروع وزارة التربية في فرض نهج مناف للأخلاق والقيم الدينية على تلاميذ مدارس الريادة تحت ذريعة “تعليم الفنون”، داعيا إلى وقف هذا التوجه الخطير جدا على الناشئة.
وعبر الأستاذ الصمدي عن استغرابه من سماح الوزارة بوضع شعارها على كتب مدرسية كتبت بمداد من تاجر بقيم المغاربة في السينما، ونقل صدى تجارته إلى الفضاءات التربوية الرسمية.
زر الذهاب إلى الأعلى